صوت المذياع
استيقظ ذات صباح شتوي بارد , فتح المذياع بتلقائية كالعادة بدأ يستمع إنه الأسلوب الممل للنصح الذي يكرهه ويسمعه باستمرار " و بالوالدين إحساناً " " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " حرك مؤشر المذياع لكن الصوت بقي كما هو , حاول مرة أخرى دون جدوى أغلق المذياع لكن الصوت ازداد وضوحاً " ووصينا الإنسان بوالديه حسناً" ارتدى ملابسه بسرعة, وخرج إلى الصالون , لكن الصوت بقي على حاله يحذر من عقوق الوالدين " قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك" دعته زوجته لتناول طعام الإفطار, فأعتذر محمود وخرج على عجل يلاحقه الصوت.
ركب الحافلة قاصداً عمله. ما هذا !! إنه نفس الصوت ينبعث من مذياع الحافلة "وقل لهما قولاً كريما "أغلق أذنيه بطريقة انتبه لها كل من كان حوله , فترك الحافلة بسرعة, بدأت تنساب إلى سمعه ألحاناً عذبة تتغنى بالأم و الأب .
أحس بشعور غريب لم يستطع تحديد طبيعته.
عاد أدراجه على قدميه متجهاً إلى بيته, توقف فجأة أمام البيت المجاور لبيته, وطرق الباب وانتظر , تقدمت المرأة المسنة من الباب وهي لا تصدق أذنيها , إنها طرقات غابت عن سمعها سنين طويلة , ميزها قلبها قبل أذنيها.
استحثها العجوز للإسراع بفتح الباب ليرى من الطارق.
إنه محمود أخذ يقبل يدي أمه, وهو يبكي بكاءاً لم يعهده منذ سنين طويلة.
أحس بروعة النشيد الذي يسمعه وكأنه نشيد ملائكي عذب .
حاول تقبيل قدمي أبيه لكنه منعه من ذلك, تعانقا طويلاً , وكلاً منهما بللت دموعه كتف الآخر , وصوت المذياع مازال على وضوحه, ارتمى في أحضان أمه مرة أخرى و استمر في البكاء.فجأة توقف محمود عن البكاء , حركته أمه يمنة و يسرة فوقع .
نادته لكنه لم يجب فقد توقف صوت المذياع.